Facebook Twitter




 



تشهد تونس في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، أول انتخابات تشريعية منذ تولي الرئيس قيس سعيّد السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد في 25 يوليو/تموز 2021 وحل البرلمان في 30 مارس/آذار 2022. وتأتي هذه الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس نواب جديد، ينظمها القانون الانتخابي الذي أصدره سعيّد في 15 سبتمبر/أيلول الماضي. فما الجديد في هذه الانتخابات؟ وما الذي يجب معرفته عنها؟

يصوت التونسيون في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، في أول انتخابات تشريعية منذ تولي الرئيس قيس سعيّد السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد في 25 يوليو/تموز 2021 وحل البرلمان في 30 آذار/ مارس 2022.

ويعتبر مراقبون أن هذه الانتخابات هي الخطوة الأخيرة لإرساء مشروع الرئيس قيس سعيّد من أجل جمهورية جديدة تقطع مع الماضي وتضع أولى أحجار البناء القاعدي الذي يسعى لإرسائه.

ورغم تحديد موعد الانتخابات وتنظيمها بناء على مرسوم رئاسي لتعديل القانون الانتخابي في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أن الضبابية ما زالت تكتنف هذه الخطوة لما تتضمنه من قوانين جديدة ومنقوصة في بعض الأحيان أربكت المراقبين. فالرئيس قيس سعيّد، الذي ما انفك منذ إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 عن إصدار مراسيم وقوانين أحادية الجانب، لم يوضح في القانون الانتخابي كيف تنظم علاقة المرشحين بأحزابهم السياسية، ولم يضبط قواعد الحملة الانتخابية...

في ما يلي أبرز ما يجب معرفته عن هذه الانتخابات.




نص: صبرا المنصر
سكرتير التحرير: ألفة قدارة
مسؤول التحرير: حسين عمارة وبوعلام غبشي
رئيس التحرير: ستيفان برنشتاين
مدير التحرير: نبيل الشوباشي
تصميم: إستوديو غرافيك فرانس ميديا موند
Member Bio image

التصويت على الأفراد بدل القوائم الحزبية

بناء على المرسوم رقم 55 لتعديل القانون الانتخابي الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد في 15 سبتمبر/أيلول 2022 فإن التصويت في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يوم 17 ديسمبر/كانون الثاني 2022 سيكون على الأفراد ؛ وذلك على خلاف ما كان معمولا به في قانون العام 2014 الذي كان فيه الترشح للانتخابات على قوائم حزبية.

وعقب الإعلان عن صدور القانون الانتخابي القائم على الاقتراع على الأفراد قررت عدة أحزاب مقاطعة هذا الاستحقاق من بينها ائتلاف يضم خمسة أحزاب معارضة بينها حزب "العمال" و"الجمهوري".

من جانب آخر يتخوف خبراء القانون من اختيار سعيّد لهذا النظام، ففي مقال تحليلي لموقع المفكرة القانونية، وهي جمعية للأبحاث القانونية "فإن سلبيّات الاقتراع على الأفراد تتفاقم في المجتمعات التي ليست لها تقاليد انتخابية وسياسية ومنظومات حزبية قويّة. فإذا كان التنافس السياسي في الديمقراطيات يجري بين الأحزاب، فإن الاقتراع على الأفراد في السياق التونسي من شأنه تشجيع المستقلّين المنتصبين لحسابهم الخاصّ، وخصوصا أصحاب الأموال منهم. ما يعني أن هذا التمشي سيكرس حظوظ الأثرياء وأصحاب الجاه والشهرة داخل الدائرة الواحدة.

وتجدر الإشارة أن قيس سعيّد ذاته انتقد هذا القانون عندما أعرب في 7أكتوبر/تشرين الأول عن رغبته في تعديله بسبب تفشي "المال الفاسد" لشراء التزكيات، لأن كل مرشح مطالب بجمع 400 تزكية معرفة بالإمضاء لدى البلدية. ووفق بيان صادر عن الرئاسة التونسية، نقل عن سعيّد قوله إن التعديل يأتي بسبب ما وصفه بالتلاعب بمسألة التزكيات لانتخاب أعضاء مجلس النواب وتفشي "المال الفاسد". وأشار سعيّد، بحسب البيان، إلى أن ما أسماه "الواجب الوطني" يقتضي الحد من هذه الظاهرة إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه.

ولم يتم تعديل القانون لاحقا بعد أن أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أنه من الأفضل عدم المساس بالقانون الانتخابي في هذه الفترة. 

وقيس سعيّد الذي فاز بالرئاسة كمستقل عام 2019 يتجه نحو تقليص دور الأحزاب ومشاركتها في الحياة السياسية لا سيما بعد أن أعلن حل مجلس النواب في 30 مارس/آذار 2022 بعد تجميده في 25 يوليو/تموز 2021 واستيلائه على السلطتين التنفيذية والتشريعية. وقد لاقى هذا القرار ترحيبا من الشعب التونسي الذي سئم من الطبقة السياسية في البلاد، لا سيما الأحزاب وعلى رأسها حركة "النهضة" التي لعبت دورا رئيسيا في أغلب الحكومات منذ الثورة التونسية، وأكبر الأحزاب في البرلمان المنحل.

وللتذكير جاء قرار سعيّد بتجميد البرلمان في 25 يوليو/تموز في خضم أزمة سياسية بينه وبين حركة النهضة استمرت لأشهر بالتزامن مع أزمة اقتصادية واجتماعية.

وباعتبار أن الاقتراع قائم على الأفراد فإن القانون لم يوضح في نفس الوقت كيفية ترشح الأفراد المنتمين للأحزاب السياسية، وقد اجتهدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من جانبها بإصدار أمر ترتيبي في هذا الصدد لأنّ للقانون يمنحها السلطة التقديرية والترتيبية لضبط ورقة الاقتراع ومحتواها. حيث أعلن ماهر الجديدي نائب رئيس هيئة الانتخابات في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني أن علاقة الأفراد المرشحين بالأحزاب تبقى قائمة، موضحا أنه في صورة تبني حزب ما مرشحا للانتخابات التشريعية فعلى المرشح تقديم تفويض صادر عن هذا الحزب لهيئة الانتخابات، ليتمكن من استعمال شعاره ورمزه وبرنامجه وحتى يكون الناخب على بينة من انتماء المرشح.

Member Bio image

التقسيم الترابي للدوائر الانتخابية

كأحد أبرز رهانات القانون الانتخابي الجديد، اتجه قيس سعيّد نحو جعل المعتمديات (وعددها 277) كتقسيم جديد وهي الدرجة الترابية التي تأتي مباشرة تحت الولاية (المحافظة) سعيا من سعيّد لتقريب الناخب من ممثليه داخل البرلمان في خطوة نحو تجسيد البناء القاعدي الذي طالما طمح لإرسائه. وقد كانت الولايات (المحافظات) هي التقسيم المعمول به في الانتخابات السابقة.

وأفضى التقسيم الانتخابي الجديد، من خلال دمج المعتمديات المتجاورة ترابيا والصغرى ديموغرافيا، أو تقسيم الكبيرة منها لدائرتين إلى اعتماد 151 معتمدية كدوائر انتخابية داخل التراب التونسي من أصل 277، فيما تم اعتماد 10 دوائر انتخابية في الخارج.

وتضمن نص القانون ما يلي : "حُدّد عدد المقاعد المخصّصة للدّوائر الانتخابيّة بالتّراب التّونسيّ بــــمائة وواحد وخمسين (151) مقعدا توزّع على مائة وواحد وخمسين (151) دائرة انتخابيّة […]

وحُدّد عدد المقاعد المخصّصة للدّوائر الانتخابيّة بالنّسبة إلى الخارج بعشرة (10) مقاعد توزّع على عشر (10) دوائر انتخابيّة".

وقد أوضح مقال ورد في المفكرة القانونية أنه، واستنادا لمعطيات المعهد الوطني للإحصاء، فقد تم "دمج المعتمديات المتجاورة ترابيّا والصغرى ديموغرافيّا، وبالمقابل، تقسيم كبرياتها إلى دائرتين. انعكس ذلك في تقسيم التراب الوطني إلى 151 دائرة، تقابل 277 معتمديّة، إضافة إلى 10 مقاعد تمثّل التونسيين بالخارج" وبناء على ذلك أصبح "معدل عدد السكان لكل مقعد، داخل التراب الوطني، 78 ألفا".

ووفق نفس المصدر ونفس المعطيات فإن مشروع قيس سعيّد اصطدم بغياب التوازن الديموغرافي بين المعتمديات ما أفرز تفاوتا بين معتمدية وأخرى، أي بين دائرة وأخرى، ليساوي في بعض الأحيان الصوت الواحد، 7 مرات قيمة الصوت في معتمدية لأخرى. ففي دائرة ذهيبة-رمادة على سبيل المثال يقدر عدد الناخبين بنحو 14 ألفا في حين يساوي عددهم في دائرة صفاقس الجنوبية نحو 131 صوتا، وفق ما أشار مقال المفكرة القانونية.

وقد تضمن مقال المفكرة أن "هذا المعدل يخفي تفاوتا كبيرا في وزن الدوائر، ... أي أنّ قيمة الصوت في ذهيبة-رمادة، تساوي نظريا أكثر من 9 مرات قيمة الصوت في صفاقس الجنوبية. لا يتعلّق الأمر باستثناءات نادرة، فحين نقارن بين الدوائر داخل كلّ ولاية، نجد أنّ الصوت في قرقنة يساوي 7 مرات قيمة الصوت في صفاقس الغربيّة وفي ساقية الدائر. كما نجد في ولايات عديدة، دائرة انتخابية تزن 4 أضعاف دائرة أخرى".

Member Bio image

1055 مرشحا بينهم 122 امرأة

أغلق باب الترشح في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 على الساعة السادسة مساء، بعد تمديده ثلاثة أيام. وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن عدد المرشحين الإجمالي 1055 بينهم 122 فقط من النساء. وقد أثار هذا الرقم انتقادات في صفوف المدافعين عن حقوق المرأة في تونس.

وفي تصريح لفرانس24 اعتبرت الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق الإنسان بشرى بالحاج حميدة أن هذا الرقم "مؤشر سلبي" مشيرة إلى أن "غياب الآليات الخاصة كمبدأ التناصف والحصص" يساهم في "غياب النساء المرشحات أو الفائزات في الانتخابات".

ورغم أن النضال النسائي في تونس بعد الثورة فرض على أصحاب القرار وضع آليات لتحقيق التناصف في الترشح للانتخابات التشريعية في 2014 و2019 إلا أن قيس سعيّد لم يلتزم بهذه المبادئ ما انعكس على عدد المرشحات في الاستحقاق المقبل.

وانتقدت بالحاج حميدة تضمن القانون الانتخابي شرط التناصف في التزكيات (أي أن يجمع المرشح 400 تزكية بينها 200 من النساء كشرط لقبول طلبات الترشح) وأن في ذلك اعتبار للمرأة كأداة انتخابية وأنهن بذلك مزكيات فقط لترشح الرجال. وأكدت بالحاج حميدة أن في ذلك "تراجعا لما حققته تونس من مكاسب للمرأة وأن أي تراجع سيفتح الباب لتراجعات أخرى".

Member Bio image

حملة انتخابية بتمويل ذاتي

تنطلق الحملة الانتخابية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني وتتواصل حتى 15 ديسمبر/كانون الأول، في حين سيكون يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول هو يوم الصمت الانتخابي في تونس، الذي يليه يوم الاقتراع في 17 ديسمبر/كانون الأول.

وبما أن هذا الاستحقاق قائم على الاقتراع على الأفراد، يمنع القانون الانتخابي على الأحزاب السياسية القيام بحملات انتخابية أثناء فترة الحملة المخصصة للانتخابات التشريعية.

وتحكم الحملات الانتخابية مبادئ عامة، أبرزها مبدأ حياد الإدارة، ودور العبادة، والشفافية، وتكافؤ الفرص بين المترشحين.

ووفق الفصل 75 من القانون الانتخابي الجديد فإنه سيتم تمويل الحملة الانتخابية "بالتمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواهما". كما يمنع القانون على الأحزاب تمويل مرشحيها مباشرة.

ويتوقع مراقبون أن هذا القانون سيشكل صعوبة على المترشحين وسيمنح حظوظا أكبر للأوفر مالا وسيؤثر على جودة الحملات الانتخابية وانتشارها، وحتى قيمتها.

ووفق تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أوضح نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ماهر الجديدي، أن المترشح مطالب بفتح حساب بنكي أو بريدي خاص، حتى تتمكن هيئة الانتخابات من ضبط قنوات تمويل حملات المترشحين، بما فيها مصادر الأموال، وكيفية صرفها، حيث يُمنع التمويل الأجنبي والتمويل مجهول المصدر.

وأكد أنه من المرتقب أن يصدر قيس سعيّد أمرا رئاسيا يحدد سقفًا ماليا للحملة.

Member Bio image

إمكانية سحب التفويض من النائب

يرسخ القانون الانتخابي الجديد الذي أصدره قيس سعيّد رقابة الناخبين، إذ أصبح بإمكان الناخبين سحب ثقتهم من ممثليهم.

وتضمن الفصل 39 من القانون أنه "يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح". 

ووفق نفس النص القانوني فإنه "لا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدورة النّيابيّة الأولى أو خلال الأشهر الستّة الأخيرة من المدّة النّيابيّة. كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النّائب إلا مرّة واحدة طيلة المدّة النّيابيّة".

وانتقد قيس سعيّد البرلمان السابق في عدة مناسبات، بعد قرار تجميده في 25 يوليو/تموز 2021، لما تضمنته جلساته من خلافات وصلت في عدة أحيان حد الشجار وتعطيل سير أعماله. وقد لاقت انتقادات وقرار سعيّد بتجميده وحله لاحقا ترحيبا من التونسيين آنذاك.

ويعتبر مراقبون أن هذا النظام سيخلق برلمانا غير مستقر يصعب إيجاد أغلبية منسجمة فيه ويقلص من حرية النواب. كما أن النائب لن يكون ممثلا للشعب بأسره ونائبا للأمة بل خاضعا للناخبين المباشرين له وتحت أمرهم.

كما تجدر الإشارة إلى أنه خلافا للدستور السابق لعام 2014 الذي كرس دورا رئيسيا للبرلمان، مانحا إياه المسؤولية الرئيسية عن تشكيل الحكومات، وضع الدستور التونسي الجديد، الذي أقره قيس سعيّد إثر استفتاء 25 يوليو/تموز 2022، الحكومة تحت سلطة الرئيس مباشرة، وحد من نفوذ البرلمان الجديد المؤلف من غرفتين (هما مجلس النواب ومجلس الأقاليم والجهات الذي لم يصدر فيه بعد نص قانوني لانتخاب أعضائه وتنظيم العلاقات بين المجلسين) .

Member Bio image

موعد التصويت وتاريخ الإعلان عن النتائج

سيتم التصويت في الانتخابات التشريعية بتونس يوم 17 ديسمبر/كانون الأول فيما سيكون الاقتراع في الخارج على مدى ثلاثة أيام كما يلي: 15، 16، 17 ديسمبر/كانون الأول.

ويصادف 17 ديسمبر/كانون الأول تاريخ وفاة محمد البوعزيزي عام 2010 والتي كانت شعلة اندلاع الثورة في تونس.

ويكشف اختيار هذا التاريخ عن نظرة قيس سعيّد للثورة، "التي يختزلها في لحظة انطلاقها من الجهات الداخليّة في 17 ديسمبر، في حين يرمز تاريخ 14 يناير إلى “سرقتها” و”الانحراف بها” من طرف نُخَبِ المركز. هي نفس النظرة التي ينبني عليها، في الظاهر، مشروع البناء القاعدي الذي يحمله سعيّد وأنصاره" وفق ما تضمن مقال ورد في موقع المفكرة القانونية.

وسيكون موعد إعلان النتائج الأولية بين 18 و20 ديسمبر/كانون الأول 2022، أما النتائج النهائية فستصدر يوم 19 يناير/كانون الثاني، أي إثر الانتهاء من النظر في الطعون والبت فيها.

ويمكن أن يتم اللجوء إلى إجراء دورة ثانية، فوفق الفصل 110 من القانون الفائز بالمقعد هو المترشح في الدائرة الانتخابية المتحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول. وفي صورة عدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات المصرح بها في الدورة الأولى، تنظم دورة ثانية خلال الأسبوعين التاليين للإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى يتقدم إليها المترشحان الحائزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الأولى.