Facebook Twitter




 



التونسيون مدعوون في 25 تموز/ يوليو 2022 للمشاركة في استفتاء على دستور جديد اقترحه الرئيس قيس سعيّد ليعوض دستور 2014. ويأتي هذا الاستفتاء بعد أشهر قليلة على استشارة شعبية دعا إليها سعيّد كذلك لمعرفة التوجهات العامة للتونسيين حول مجموعة من الملفات المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ووصل سعيّد -أستاذ في القانون الدستوري ومن خارج الأحزاب السياسية- إلى الحكم في 2019 بعد فوزه في انتخابات رئاسية مبكرة بنسبة 72,71 بالمئة، ليصبح ثاني رئيس لتونس ينتخب بالاقتراع المباشر منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.

وفي 25 تموز/ يوليو 2021، قرر سعيّد (64 عاما) إثر أزمة سياسية حادة في البلاد اتخاذ إجراءات استثنائية و"احتكار" السلطات وإقالة رئيس الحكومة وتجميد أعمال البرلمان قبل حلّه... في خطوات انتقدتها المعارضة التي اعتبرت ما قام به "انقلابا" وأبدت مخاوفها على مستقبل مكتسبات ثورة 2011 التي دفع خلالها التونسيون الثمن من دمائهم وحياتهم، فيما اعتبرها سعيّد ضرورة لبناء "الجمهورية الجديدة" التي يريدها. من التدابير الاستثنائية في يوليو 2021 إلى الكشف عن مشروع الدستور الجديد في يوليو 2022... عودة على أبرز القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد.




نص: صبرا المنصر
سكرتير التحرير: هناده عفاش
مسؤولة التحرير: مليكة كركود
رئيس التحرير: ستيفان بيرنشتاين
مدير التحرير: نبيل الشوباشي
تصميم: إستوديو فرانس ميديا موند

جميع الحقوق محفوظة: يوليو/تموز 2022
Member Bio image

اللجوء للفصل 80 من الدستور

أعلن الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 تجميد أعمال مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضائه، وإعفاء رئيس الوزراء هشام مشيشي من منصبه، كما أعلن تولي رئاسة السلطة التنفيذية، استنادا للفصل 80 من الدستور، ليعين لاحقا نجلاء بودن رئيسة للحكومة.

ووفق قراءة سعيّد لهذا الفصل من الدستور فإنه يمكنه اللجوء إلى هذا النوع من التدابير الاستثنائية في حالة "الخطر الداهم"، وأوضح سعيّد آنذاك أنه قرر "عملا بأحكام الدستور، اتخاذ تدابير يقتضيها (...) الوضع، لإنقاذ تونس، لإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي". وأضاف "نحن نمر بأدق اللحظات في تاريخ تونس، بل بأخطر اللحظات".

جاء القرار آنذاك في خضم صراع سياسي بين رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة وبين الرئيس قيس سعيّد، وهو أمر أدى إلى حالة من الشلل السياسي والاجتماعي شهدتها البلاد لعدة أشهر ما دفع بالآلاف للخروج في احتجاجات بعدة مدن تونسية بينها العاصمة، في 24 تموز/ يوليو للمطالبة بتنحي الحكومة وحل البرلمان. واقتحم المتظاهرون مقرات عدة لحركة النهضة أكبر حزب في البرلمان والذي شارك في أغلب الحكومات بعد ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي.

وما زاد من تفاقم الغضب الشعبي في تلك الفترة سوء إدارة أزمة تفشي فيروس كورونا التي أسفرت عن وفاة نحو 18 ألف شخص لعدد سكان يبلغ 12 مليون نسمة، ما جعل تونس من بين البلدان التي لديها أحد أسوأ معدلات الوفيات في العالم.

من جهته ندد حزب النهضة بما اعتبره "انقلابا على الثورة"، مؤكدا في بيان عبر صفحته على فيس بوك أن "أنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة". أما رئيس الحكومة المقال هشام مشيشي فقد أعلن يوم 26 تموز/ يوليو تخليه عن منصبه واستعداده لتسليم السلطة إلى الشخصية التي يختارها الرئيس.

Member Bio image

إغلاق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

هي هيئة تهتم بمكافحة الفساد والرشوة، تم إحداثها خلفا للجنة تقصي الحقائق عن الفساد التي أنشئت مباشرة بعد ثورة 2011.

في آب/ أغسطس 2021 قامت القوات الأمنية بإخلاء مقر الهيئة من موظفيها ووضع رئيسها السابق شوقي الطبيب قيد الإقامة الجبرية (شغل الطبيب منصب رئيس الهيئة منذ 2016 قبل أن يقيله رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ في 2020).

وجاء هذا الإجراء في إطار التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 واستنادا لقانون الطوارئ الذي يسمح للسلطات بوضع أي شخصية تحت الإقامة الجبرية عندما تشكل خطرا على الأمن العام في البلاد.

ويذكر في أواخر تموز/ يوليو 2021، فتح القضاء التونسي تحقيقا في قضيتين بحق شوقي الطبيب تتعلقان بضبط وثيقة مزورة وسوء إدارة الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد.

ووفق نفس التدابير أقال سعيّد الكاتب العام لهيئة مكافحة الفساد أنور بن حسن المكلف بتسييرها بدون أن يعطي تفاصيل عن أسباب القرار. ويرجح مراقبون أن هذا الإجراء جاء كمحاولة من سعيّد لعدم إتلاف أي ملف من ملفات الفساد.

أما موظفو الهيئة الذين انتهت عقودهم بنهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021 والذين يتجاوز عددهم الإجمالي 150 شخصا، نظموا وقفة احتجاجية أمام مقرها الرئيسي في 24 كانون الثاني/ يناير 2022 للمطالبة بـ "توضيح رسمي لمصيرهم". وتحولت الوقفة لاحقا إلى اعتصام مفتوح لم يحقق أهدافه، ولم يتم تجديد عقود هؤلاء الموظفين.

وأثار قرار غلق الهيئة عدة انتقادات على مستوى الرأي العام وقلقا لدى منظمات حقوقية حذرت من انتهاك المعطيات الشخصية للمواطنين المصرحين لدى الهيئة، أو تعريض المبلغين عن الفساد للخطر.

كما عبرت منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية مستقلة) في بيان لها في آب/ أغسطس 2021 عن تخوفها إزاء "مواصلة إغلاق مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتعطل عملها، نظرا للتبعات الخطيرة التي من الممكن أن يواجهها المبلغون عن الفساد".

وقالت المنظمة في بيان لها إن "تعطل عمل هيئة مكافحة الفساد، سينجر عنه تعطل إجراءات البت في مطالب إسناد الحماية للمبلغين والتي هي جملة الإجراءات الهادفة إلى حماية المبلّغ عن الفساد ضد مختلف أشكال الانتقام أو التمييز التي قد تسلط عليه من مضايقات أو عقوبات هي في الظاهر تأديبية، لكنها في الواقع انتقامية ككل إجراء تعسفي، بما في ذلك العزل أو الإعفاء أو رفض الترقية أو رفض طلب النقلة أو النقلة التعسفية".

كما حذر مرصد رقابة (منظمة متخصصة في محاربة الفساد ونشر ثقافة الرقابة المواطنية على أجهزة الدولة) من "تواتر تسريب ملفات ووثائق حساسة وسرية تابعة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" معبرا عن "بالغ قلقه لهذا الانتهاك الخطير لسرية أعمال هيئة مستقلة ولما يمكن أن يترتب عنه من تضييقات وانتقام من المبلغين عن الفساد وتلاعب بمعطيات شخصية وتصاريح بالممتلكات والمكاسب وشكاوى من طرف مواطنين أصبحوا عرضة للتشهير والابتزاز". داعيا النيابة العمومية لفتح تحقيق "في حالات التسريب المتواترة لكشف كل من تورط في المس من سرية ملفات الهيئة ومعطيات المواطنين".

Member Bio image

إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين

أعلن سعيّد في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وتوليه مهمة إعداد تعديلات متعلقة بإصلاحات سياسية عبر لجنة يشكلها. جاء ذلك ضمن الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بتدابير استثنائية.

وتعد هذه الهيئة مؤسسة قضائية موقتة مستقلة تختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين (بطلب من ثلث البرلمان أو رئيس الجمهورية)، وتتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة. تم إنشاؤها في 18 نيسان/ أبريل 2014. وتنتهي مهامها عند إرساء المحكمة الدستورية التي فشلت البرلمانات اللاحقة في الاتفاق على اختيار أعضائها.

فصلت الهيئة في عدة مسائل دستورية واجهها نواب البرلمان منذ تأسيسها.

بإصدار الأمر الرئاسي عدد 117 الذي يعلق مهام البرلمان كذلك ويخول لسعيّد التشريع في شكل مراسيم فإن الهيئة التي تراقب دستورية مشاريع القوانين (لا المراسيم) أصبحت بلا جدوى، وبالتالي قرر حلها.

يعتبر مراقبون أنها خطوة نفذها سعيّد الذي استأثر لنفسه بسلطة إصدار القوانين والتشريعات بطريقة المراسيم، لإلغاء كل أشكال الرقابة عليه لتحصين مراسيمه من أي جهة كانت، حيث كان بإمكانه أن يسمح لها بمراقبة دستورية مراسيمه من خلال تنقيح قانونها الأساسي (كما فعل بالنسبة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات). فضلا عن ذلك اتجه سعيّد لحماية مراسيمه من دعوى الإلغاء من قبل المحكمة الإدارية أيضا، وفق ما جاء في الفصل السابع من الأمر الرئاسي عدد 117.

Member Bio image

تعليق العمل بدستور 2014 والإعداد لدستور جديد

ضمن الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية الصادر في الجريدة الرسمية في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن سعيّد عن تدابير موقتة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية تتألف من 23 فصلا. وجاء في الفصل الرابع منها ما يلي: "يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية". ووفق الأمر علّق سعيّد العمل بأجزاء كبيرة من دستور 2014 و"مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية"، إضافة إلى إلغاء الهيئة الموقتة لمراقبة دستورية القوانين. وأن يتولى سعيّد "إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي"، ويعرض الرئيس التعديلات على الاستفتاء للمصادقة عليها.

وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021 أعلن سعيّد عن تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية في 25 تموز/ يوليو 2022. وقبل ذلك دعا التونسيين إلى المشاركة بقوة في "الاستشارة الشعبية" عبر الإنترنت التي أجريت من أول كانون الثاني/يناير 2022 حتى 20 آذار/مارس بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد.

ولاقت الاستشارة عزوفا لدى التونسيين، حيث لم يشارك فيها سوى 534,915 شخصا من مجموع الناخبين البالغ عددهم أكثر من سبعة ملايين حسب إحصاءات رسمية (عدد سكان تونس حوالي 12 مليون نسمة).

وقال سعيّد بشأن دستور 2014 في 09 كانون الأول/ ديسمبر 2021 خلال لقاء جمعه بخبراء في القانون الدستوري "لا يمكن العمل بهذا الدستور في السنوات المقبلة لأنه لا شرعية له، يتحدثون عن الشرعية ويتباهون أنهم يحترمون الدستور ولكن أعلم جيدا لقاءاتهم واجتماعاتهم بالليل والنهار حتى مع أطراف خارجية". مضيفا بأن هذا الدستور كان سببا مباشرا في نشوب صراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية حتى وصل الأمر إلى تعطيل عجلة عمل الدولة.

ولاحقا في 1 أيار/ مايو كلف سعيّد لجنة لصياغة دستور جديد لـ"جمهورية جديدة" سيعرض للاستفتاء يوم 25 تموز/ يوليو 2022. وعلى رأس اللجنة عيّن أستاذ القانون الصادق بلعيد، ويساعده عمداء القانون والعلوم السياسية. فيما أقصى الأحزاب السياسية عن إعادة هيكلة النظام السياسي.

وأوضح الصادق بلعيد في هذا السياق "يمكن أن تكون لرئيس الجمهورية سلطات أكبر... كان الرئيس يملك سلطة التعطيل فقط وهذا سيء جدا. الرئيس هو القائد، وتاليا يجب ألا يتمتع فقط بسلطة اللجم بل بسلطة القيادة... باعتدال". مؤكدا في وقت لاحق بأنه سيمضي قدما في كتابة الدستور الجديد "بمن حضر" بعد أن رفض أكاديميون بارزون الانضمام إليها، ما أثار مخاوف من أن الدستور الجديد لن يحظى بتوافق واسع.

من جهتها، قالت الأحزاب الرئيسية إنها ستقاطع التغييرات السياسية أحادية الجانب وتعهدت بتصعيد الاحتجاجات ضدها. الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتمتع بتأثير قوي، رفض هو الآخر المشاركة في حوار "محدود وشكلي". ونظم إضرابا وطنيا في 16 حزيران/ يونيو 2022 في الشركات العمومية والوظائف العامة احتجاجا على الوضع الاقتصادي السيء وتجميد الأجور. وعلى الرغم من أن قيادات الاتحاد تؤكد على أن قرار الإضراب "غير سياسي" إلا أن مراقبين اعتبروه شكلا من أشكال الضغط على سعيّد.

ويعتبر الرافضون لمسار سعيّد أنه على خلاف مقترحه فإن دستور 2014 ديمقراطي شاركت فيه مختلف القوى السياسية آنذاك وهو تعاقدي يوفر أسس الانتقال الديمقراطي، عدا أن الأزمة اليوم ليست أزمة دستور، وإن كانت أزمة نظام سياسي فيجب تعديله بالآليات القانونية، ولا حاجة عموما لدستور جديد. ووفقا للجريدة الرسمية سيكون السؤال الوحيد في الاستفتاء هو "هل توافق على الدستور الجديد؟"، وذكرت الجريدة أن الاقتراع سيبدأ عند السادسة صباحا وينتهي في العاشرة ليلا يوم 25 تموز/ يوليو.

ويوم 30 حزيران/ يونيو أعلن عن مضمون الدستور الجديد الذي ينص على أن "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة" يعينه الرئيس. وهذه الحكومة "مسؤولة عن تصرفاتها أمام رئيس الجمهورية" وليست بحاجة لأن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها، كما يمكن للرئيس أن ينهي مهام الحكومة أو مهام أي عضو منها تلقائيا، ما يعني أن البلاد ستنتقل إذا ما أقر هذا المشروع من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.

ويمنح مشروع الدستور رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في ميادين شتى إذ إنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة" و"يضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية" و"يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة" و"يسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية" ويتمتع بحق "عرض مشاريع القوانين" على البرلمان الذي يتعين عليه أن يوليها "أولوية النظر" فيها على سائر مشاريع القوانين.

Member Bio image

حل المجلس الأعلى للقضاء وتعيين أعضاء جدد

قام سعيّد في 6 شباط/ فبراير 2022 بحل المجلس الأعلى للقضاء. ويوجه سعيّد إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنحل، اتهامات بالفساد والعمل وفقا للولاءات السياسية. وقال خلال زيارة إلى مقر وزارة الداخلية يوم الإعلان عن قراره "هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات". مؤكدا أن "أموالا وممتلكات تحصل عليها عدد من القضاة المليارات المليارات (...) هؤلاء مكانهم المكان الذي يقف فيه المتهمون".

والمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية مستقلة تأسست في العام 2016 "ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية"، حسب الدستور، ومن بين صلاحياته اقتراح الإصلاحات الضرورية في مجال القضاء.

ويأتي قرار سعيّد بعد انتقادات شديدة وجهها للقضاء وإثر تواتر دعوات بحل المجلس و"تطهير القضاء" من قبل أنصاره. وأشار سعيّد يوم الإعلان عن حله الذي صادف الذكرى السنوية لاغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد (6 شباط/ فبراير 2013) أنه "للأسف تم التلاعب بهذا الملف من قبل عدد من القضاة في النيابة والمحاكم". وبعد حل المجلس عوضه بمجلس موقت أدى اليمين في 7 آذار/ مارس 2022 في خطوة قال معارضوه وقضاة إنها تهدف لوضع يده على السلطة القضائية.

ولم يتوقف سعيّد عند هذا الحد في قطاع القضاء ففي 1 حزيران/ يونيو 2022، صدرت في الجريدة الرسمية قائمة تضم أسماء 57 قاضيا اتخذ قرار عزلهم بتهم من بينها "التستر على قضايا إرهابية" و"الفساد" و"التحرش الجنسي" و"الموالاة لأحزاب سياسية" و"تعطيل مسار قضايا" وستتم ملاحقتهم قضائيا، حسب ما أكد سعيّد في اجتماع وزاري.

وعدل سعيّد مرسوم المجلس الأعلى الموقت للقضاء ليتمكن من اتخاذ هذا القرار. حيث تضمن نص التعديل أنه يحق لرئيس الجمهورية "في صورة التأّكد من المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلّل من الجهات المخولة، إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره". ويمكن كذلك ملاحقة القضاة المعزولين قضائيا.

إثر ذلك، دخل القضاة في إضراب عام في كل محاكم البلاد في 4 حزيران/ يونيو 2022 استمر لعدة أسابيع بعد التصويت بالإجماع لمختلف الهياكل الممثلة للقضاة في تونس وهي جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسيين ونقابة القاضيات التونسيات وجمعية القضاة الشبان والمجلس القطاعي لمحكمة المحاسبات والمجلس القطاعي للمحكمة الإدارية.

اعتبر يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل أن قرار الرئيس سعيّد بحل المجلس "غير قانوني" ومحاولة لوضع القضاء "في مربع التعليمات" الرئاسية، مضيفا أن "المجلس ليس من الماضي هو من الحاضر والمستقبل... القضاة لن يسكتوا... هذا تدخل مباشر ومحاولة لوضع القضاة في مربع التعليمات".

على المستوى الدولي حض مبعوثون غربيون إلى تونس ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سعيّد على الرجوع عن قراره حل المجلس الأعلى للقضاء، محذرين من أن هذا الأمر يهدد سيادة القانون.

واتهمت عشر منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان سعيّد بتوجيه "ضربة قوية لاستقلالية القضاء" بعد عزله عشرات القضاة ومنح نفسه سلطة مطلقة لإقالتهم. قالت المنظمات التي بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وإنترناشونال ألرت في بيان مشترك إن "تحركات سعيّد هي اعتداء على سيادة القانون وإنه يتعين عليه إلغاء المرسوم على الفور وإعادة القضاة الذين عزلهم".

واعتبرت جبهة الخلاص الوطني وهي تكتل لأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني معارضة لسعيّد في بيان، أن ما قام به الرئيس "تدخل فظ" في القضاء. واتهمت سعيّد بأنه أعطى لنفسه "حق عزل القضاة بناء على مجرد الشبهة دون حق الاعتراض قبل أن يقول القضاء الجزائي رأيه النهائي".

على المستوى الدولي شجبت الولايات المتحدة قرارات سعيّد على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها نيد برايس في واشنطن الذي اعتبر أن عملية "التطهير" جزء من "مجموعة مثيرة للقلق من الخطوات التي تقوض المؤسسات الديمقراطية المستقلة في تونس".

Member Bio image

حل مجلس النواب

بناء على الفصل 72 من الدستور التونسي، أعلن سعيّد في 30 آذار/ مارس 2022 حل مجلس النواب (البرلمان).

والبرلمان هو السلطة التشريعية في البلاد، تم تأسيسه اعتمادا على دستور 2014. تتمثل مهامه في تقديم مقترحات قوانين، ومن مهامه المصادقة على مشاريع القوانين، والمصادقة على المعاهدات، وتنظيم الحياة العامة في الدولة، والمصادقة على الحكومة وأعضائها، والمصادقة على قانون المالية والميزانية، وكذلك رفع الحصانة عن أحد النواب.

ويأتي قرار حل المجلس بعد ثمانية أشهر من تعليق أعماله وتولي الرئيس كامل السلطة التنفيذية والتشريعية في 25 تموز/يوليو 2021.

وأعلن سعيّد عن قراره خلال ترؤسه اجتماعا "لمجلس الأمن القومي" بعد ساعات من تحدي نواب البرلمان قرار التعليق القائم وعقدهم جلسة عبر تقنية الفيديو صوتوا خلالها على إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيّد.

وصرح سعيّد قائلا "بناء على الفصل 72 من الدستور أعلن اليوم في هذه اللحظة التاريخية عن حل المجلس النيابي حفاظا على الشعب ومؤسسات الدولة". وتابع في انتقاده للاجتماع الافتراضي "إنه انقلاب لا شرعية له على الإطلاق، يتلاعبون بمؤسسات الدولة".

معارضو إجراءات 25 تموز/ يوليو اعتبروا حل البرلمان قرارا غير دستوري وأن الفصل 72 لا يتضمن أي إشارة تسمح لرئيس الجمهورية بحل البرلمان. كما اعتبر آخرون قرار حل البرلمان عديم الجدوى لأنه قرار تجميده في السابق يعني حله عمليا على أرض الواقع. في حين رحب كثير من التونسيين بإجراء سعيّد بعدما سئموا من الطبقة السياسية في البلاد، لا سيما الأحزاب وعلى رأسها حركة النهضة التي لعبت دورا رئيسيا في أغلب الحكومات منذ الثورة التونسية، وأكبر الأحزاب في البرلمان المنحل.

وفي نفس السياق دعت عدة أطراف سياسية مرحبة بقرار الرئيس لرفع الغموض عن المرحلة المقبلة وإعلان رزنامة لإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في غضون ثلاثة أشهر وفق ما ينص عليه الدستور.

فيما عبر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) الذي يملك ثقلا سياسيا مهما في البلاد، عن رفضه للاجتماعات التي خطط لها البرلمان المنحل والتي تهدف بحسب بيان للمتحدث باسمه سامي الطاهري إلى "إدخال البلاد في نزاع وانقسام سياسي".

Member Bio image

تعيين رئيس وأعضاء جدد في الهيئة العليا للانتخابات

في 22 نيسان/ أبريل 2022، أصدر سعيّد أمرا رئاسيا يعطيه صلاحيات لتعيين رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعضوين فيها، قبل استفتاء 25 تموز/يوليو 2022.

ونشر سعيّد القرار في الجريدة الرسمية الصادرة يومها وجاء فيه "يتركب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي" وكان عددهم في السابق تسعة أعضاء.

كما منح الرئيس لنفسه عبر القرار صلاحية تعيين رئيس الهيئة من بين أعضاء الهيئات العليا المستقلة للانتخابات السابقة وعضوين آخرين، على أن يعين المجلس الأعلى للقضاء الأعضاء الأربعة المتبقين.

وكان رئيس الهيئة ينتخب مباشرة من قبل نواب البرلمان الذي قرر سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 تعليق أعماله ثم حله نهائيا في نهاية آذار/مارس 2022.

والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هيئة "عمومية ومستقلة"، "تسهر على ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطية وحرة وتعددية ونزيهة وشفافة"، تم إقرارها في دستور 2014. وكان البرلمان في السنوات الماضية هو من يختار أعضاء هيئة الانتخابات التي أشرفت على مختلف الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية التي شهدتها تونس بعد الثورة، من بينها الانتخابات الرئاسية لعام 2019 التي فاز فيها سعيّد بالرئاسة.

في 9 أيار/ مايو 2022 عين سعيّد أعضاء جددا في الهيئة، وفق ما تضمنت الجريدة الرسمية.

وتضم اللجنة الجديدة -المكونة من سبعة أعضاء- ثلاثة قضاة ومهندس تكنولوجيا معلومات. وكان فاروق بوعسكر، الرئيس الجديد للهيئة، يشغل منصب نائب رئيس الهيئة الانتخابية القديمة.

كما عُيِن العروسي المنصري وسامي بن سلامة في الهيئة الجديدة، وهما مسؤولان في هيئات انتخابية قديمة. وبن سلامة عبر سابقا عن مساندته لقرارات سعيّد، وهو أيضا منتقد شرس لحزب النهضة الإسلامي.

أما نبيل بافون رئيس اللجنة المنحلة قد أغضب سعيّد بانتقاد خططه لإجراء استفتاء وانتخابات برلمانية، قائلا إنها "لا تتطابق ومبادئ دستور" 2014. كما اعتبر بافون أن "أي تغيير لرئيس الهيئة او لأعضائها سيكون غير قانوني".

ارتكز قيس سعيّد في قراره لتغيير أعضاء الهيئة على توجيه اتهامات لاذعة لها ووصفها بأنها غير مستقلة على الرغم من فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2019 تحت إشرافها، فيما يعتبر أنصاره أنها عنوان للمحاصصة الحزبية.

وفي تصريح له في 30 أيلول/ سبتمبر 2021 خلال استقباله رئيس محكمة المحاسبات نجيب القطاري، قال سعيّد "لا بد أن أؤكد أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أو التي توصف كذلك، عليها أن تكون بالفعل مستقلة".

وقال سعيّد في نفس الإطار وفي إشارة لتصريحات بافون (رئيس الهيئة السابق الذي انتقد قراراته) "لا بد أن أؤكد على أن الهيئة العليا أو التي توصف بأنها عليا يجب أن تكون مستقلة. سمعت في الأيام الأخيرة موقفا حول جملة من التدابير التي اتخذتها ولا دخل للهيئة المستقلة أو التي يدعي البعض أنها مستقلة أن تتدخل في هذه المسائل".

فيما يعتبر معارضوه أن قراره إجراء يهدف لتعزيز سيطرته على واحدة من آخر الهيئات المستقلة في تونس، وفي ذلك ترسيخ لحكمه الفردي ما يلقي بظلال من الشك على نزاهة الاستفتاء.