تعليق العمل بدستور 2014 والإعداد لدستور جديد
ضمن الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية الصادر في الجريدة الرسمية في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن سعيّد عن تدابير موقتة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية تتألف من 23 فصلا. وجاء في الفصل الرابع منها ما يلي: "يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية".
ووفق الأمر علّق سعيّد العمل بأجزاء كبيرة من دستور 2014 و"مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية"، إضافة إلى إلغاء الهيئة الموقتة لمراقبة دستورية القوانين. وأن يتولى سعيّد "إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي"، ويعرض الرئيس التعديلات على الاستفتاء للمصادقة عليها.
وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021 أعلن سعيّد عن تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية في 25 تموز/ يوليو 2022. وقبل ذلك دعا التونسيين إلى المشاركة بقوة في "الاستشارة الشعبية" عبر الإنترنت التي أجريت من أول كانون الثاني/يناير 2022 حتى 20 آذار/مارس بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد.
ولاقت الاستشارة عزوفا لدى التونسيين، حيث لم يشارك فيها سوى 534,915 شخصا من مجموع الناخبين البالغ عددهم أكثر من سبعة ملايين حسب إحصاءات رسمية (عدد سكان تونس حوالي 12 مليون نسمة).
وقال سعيّد بشأن دستور 2014 في 09 كانون الأول/ ديسمبر 2021 خلال لقاء جمعه بخبراء في القانون الدستوري "لا يمكن العمل بهذا الدستور في السنوات المقبلة لأنه لا شرعية له، يتحدثون عن الشرعية ويتباهون أنهم يحترمون الدستور ولكن أعلم جيدا لقاءاتهم واجتماعاتهم بالليل والنهار حتى مع أطراف خارجية". مضيفا بأن هذا الدستور كان سببا مباشرا في نشوب صراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية حتى وصل الأمر إلى تعطيل عجلة عمل الدولة.
ولاحقا في 1 أيار/ مايو كلف سعيّد لجنة لصياغة دستور جديد لـ"جمهورية جديدة" سيعرض للاستفتاء يوم 25 تموز/ يوليو 2022. وعلى رأس اللجنة عيّن أستاذ القانون الصادق بلعيد، ويساعده عمداء القانون والعلوم السياسية. فيما أقصى الأحزاب السياسية عن إعادة هيكلة النظام السياسي.
وأوضح الصادق بلعيد في هذا السياق "يمكن أن تكون لرئيس الجمهورية سلطات أكبر... كان الرئيس يملك سلطة التعطيل فقط وهذا سيء جدا. الرئيس هو القائد، وتاليا يجب ألا يتمتع فقط بسلطة اللجم بل بسلطة القيادة... باعتدال". مؤكدا في وقت لاحق بأنه سيمضي قدما في كتابة الدستور الجديد "بمن حضر" بعد أن رفض أكاديميون بارزون الانضمام إليها، ما أثار مخاوف من أن الدستور الجديد لن يحظى بتوافق واسع.
من جهتها، قالت الأحزاب الرئيسية إنها ستقاطع التغييرات السياسية أحادية الجانب وتعهدت بتصعيد الاحتجاجات ضدها.
الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتمتع بتأثير قوي، رفض هو الآخر المشاركة في حوار "محدود وشكلي". ونظم إضرابا وطنيا في 16 حزيران/ يونيو 2022 في الشركات العمومية والوظائف العامة احتجاجا على الوضع الاقتصادي السيء وتجميد الأجور. وعلى الرغم من أن قيادات الاتحاد تؤكد على أن قرار الإضراب "غير سياسي" إلا أن مراقبين اعتبروه شكلا من أشكال الضغط على سعيّد.
ويعتبر الرافضون لمسار سعيّد أنه على خلاف مقترحه فإن دستور 2014 ديمقراطي شاركت فيه مختلف القوى السياسية آنذاك وهو تعاقدي يوفر أسس الانتقال الديمقراطي، عدا أن الأزمة اليوم ليست أزمة دستور، وإن كانت أزمة نظام سياسي فيجب تعديله بالآليات القانونية، ولا حاجة عموما لدستور جديد.
ووفقا للجريدة الرسمية سيكون السؤال الوحيد في الاستفتاء هو "هل توافق على الدستور الجديد؟"، وذكرت الجريدة أن الاقتراع سيبدأ عند السادسة صباحا وينتهي في العاشرة ليلا يوم 25 تموز/ يوليو.
ويوم 30 حزيران/ يونيو أعلن عن مضمون الدستور الجديد الذي ينص على أن "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة" يعينه الرئيس. وهذه الحكومة "مسؤولة عن تصرفاتها أمام رئيس الجمهورية" وليست بحاجة لأن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها، كما يمكن للرئيس أن ينهي مهام الحكومة أو مهام أي عضو منها تلقائيا، ما يعني أن البلاد ستنتقل إذا ما أقر هذا المشروع من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.
ويمنح مشروع الدستور رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في ميادين شتى إذ إنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة" و"يضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية" و"يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة" و"يسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية" ويتمتع بحق "عرض مشاريع القوانين" على البرلمان الذي يتعين عليه أن يوليها "أولوية النظر" فيها على سائر مشاريع القوانين.