Facebook Twitter
Previous Next

العراق في عيونهم ... عشر سنوات على الغزو الأمريكي

في الذكرى العاشرة للغزو الأمريكي للعراق، يدلي لنا عراقيون بذكرياتهم عن سنوات الحرب التي دمرت بلادهم. يروون تفاصيل الأيام الأولى لسقوط العاصمة بغداد ثم سقوط نظام صدام حسين واعتداءات القاعدة التي صارت جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتهم اليومية. يحاولون اكتشاف الطريق لمستقبل بلادهم والذي تبدو معالمه إلى الآن مظلمة.

إعداد: مليكة كركود فرانس24

نغم تميمي

ناشطة وإعلامية ، 40 سنة، وأم لثلاث بنات

حال العراق اليوم

عراق ما قبل 2003، كان عراقا محاصرا بلا شك ولكنه عاش على الأقل تحت وطأة ديكتاتورية واحدة هي ديكتاتورية صدام حسين. أما العراق اليوم فهو عراق ديكتاتورية وبؤس وظلم وقتل لا يقارن أبدا بكل ما سبق. نحن اليوم في حقبة ميليشيات وعصابات وأحزاب متعددة تتاجر بدماء العراقيين، وسياسيين متمرسين بالفساد جعلوا العراق في المرتبة الأولى في مصاف الدول الأكثر فسادا في العالم. جعلوا من بغداد الجميلة، التي كانت رمزا للأصالة والثقافة والإبداع، أقذر عاصمة في العالم رغم مليارات الدولارات التي تهدر يوميا هنا وهناك.

يوم سقوط بغداد

كنت أغطي أحداث الحرب لصالح عدد من القنوات العربية، يومها لم أستطع إنجاز أي تقرير كما كانت العادة قبل أيام من هول الصدمة. لم تكن الصدمة بسبب رؤية سقوط تمثال صدام حسين ولكن بسبب دخول القوات الأجنبية لبلدي؛ صورة ذلك الأجنبي الذي دخل باسم الديمقراطية لينهب خيرات بلدي ويقتل أبناءه لم تفارق مخيلتي. ومن تلك اللحظة بدأت معاركي معه.

الصورة التي لن تمحوها الأيام

هي صورة تلك الدبابة الأمريكية التي احتلت المكان الذي كنت أصُفُّ فيه سيارتي بالقرب من فندق فلسطين حيث كان يقيم العشرات من الصحافيين, كان ذلك في يوم حار من أيام شهر مايو/أيار 2003. وصلت في الصباح الباكر كعادتي لأجد أن دبابة أمريكية أخذت مكاني، اضطررت لإيقاف سيارتي بالقرب منها فترجل جندي قوي البنية شاهرا سلاحه وأمرني بإبعادها بصوت حاد. لا أعرف كيف واتتني الشجاعة يومها لأتحداه وأقول له بأن المكان مكاني والبلد بلدي وأن هو من عليه تحريك دبابته. وبعد تلاسن كلامي حاد بيننا رفع سلاحه في وجهي وطلب من مترجم إخباري بأنه سيقتلني إن لم أفعل لأنه شعر بعدائي نحوه، أجبته بكل تحد "نعم أنا أكرهك وأكره جميع الأمريكيين". المترجم العراقي رفض ترجمة ما قلته يومها خوفا على حياتي.

أي مستقبل للعراق؟

للأسف مستقبل العراق مظلم للغاية فالحديث عن مصالحة وطنية أمل بعيد المنال فنوري المالكي يحكم البلاد بمفرده ولا يأبه بما يدور حوله، وهناك حالة من التعسف الذي لا يمكن تصوره في البلاد. أصحاب البطون الخاوية لا تشبع بطونهم أبدا، وفاتورة الحرب لن ننتهي من دفعها قبل وقت طويل.

الشيخ عبد الستار عبد الجبار

نائب الأمين العام لمجلس علماء العراق، إمام وخطيب جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة

حال العراق اليوم

لا يختلف اثنان اليوم على أن حال العراق أسوأ بكثير مما كان عليه أيام صدام حسين سواء داخليا أم خارجيا، عراق اليوم ديكتاتوري في حلة ديمقراطية قامت بتفصيلها الولايات المتحدة.

فعراق صدام كانت قد أنهكته الحروب الخارجية وأضعفه الحصار، أما عراق اليوم فحالته أصعب كثيرًا لقد شتته الحروب الطائفية والتدخلات الخارجية. وبات يعاني على كافة الأصعدة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. اليوم يعيش 86 بالمئة من العراقيين تحت خط الفقر، كما أن سلسلة الاعتقالات متواصلة وأبشع أنواع التعذيب لا تزال تمارس وعلى نطاق واسع.

يوم سقوط بغداد

كنت بالقرب من منطقة الصليح بحي الأعظمية، وكنا قد سئمنا من نظام صدام المستبد. عندما رأينا القوات الأمريكية تدخل بغداد أملنا أن تجلب السلم والأمان؛ لكنهم منذ الأيام الأولى احتالوا علينا، فالدبابات كما أذكر جيدا مرت بالأعظمية حيث داهم الجنود بيوتها ولم يحترموا لا المقدسات ولا أماكن العبادة، ولا من كانوا بداخلها.

الصورة التي لن تمحوها الأيام

صور كثيرة لا يمكن للأيام أن تمحوها من ذاكرتي إبان سنوات الغزو. في شهر رمضان من العام 2004 اتهمت بأنني كنت على صلة بمجموعات إرهابية. كنت وقتئذ إمام وخطيب جامع "الإمام الأعظم أبي حنيفة"، جاءت 36 سيارة لحي الأعظمية الذي كنت أقطنه، داهموا بيتي ودمروا أجزاء منه، ضربوني أنا وزوجتي وأولادي، اعتقلوني يومها مع اثنين من أبنائي الأول كان في 22 من العمر والثاني في 15، قالوا لي بأنني لا أؤمن بالديمقراطية وبأني إرهابي كبير. حتى جاري لم يسلم من بطشهم فاعتقلوه وضربوه ولفقوا له تهمة التعاون مع إرهابي لأنه سمح لي بركن سيارتي عنده.

أي مستقبل للعراق؟

الأمريكيون لا يزالون يديرون الأمور في العراق حتى بعد سنوات من خروجهم، لذلك فالحل الوحيد الذي عليهم فعله هو أن يعودوا مرة أخرى ليصلحوا ما دمروه. هذا لا يعني بأن عليهم احتلال العراق مرة أخرى ولكن عليهم ممارسة ضغوط على المالكي وسياسته لتصحيح المعادلة السياسية في العراق. كما عليهم الاعتراف بالجرائم التي ارتكبوها في بلدنا وتقديم اعتذار رسمي لكل العراقيين.

الحاج رعد أبو علي

موظف حكومي ببغداد، 43 عاما، أب لثلاثة أطفال

حال العراق اليوم

يوم دخول الأمريكيين بلدنا، كنا نظن أنهم جاؤوا بالديمقراطية ليخلصونا من الديكتاتورية التي ولدنا وكبرنا في ظلها، لكنهم جلبوا بلاء أشد من الذي كنا فيه، زرعوا نار الفتنة بيننا، خربوا بلادنا ونهبوا ثرواتنا وخرجوا وتركونا نتقاتل فيما بيننا. كل العراقيين يكرهون الأمريكيين، فهم من زرعوا الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، بين العرب والأكراد، بين المسيحيين والمسلمين.

يوم سقوط بغداد

يوم دخولهم بغداد تحولت العاصمة إلى مدينة أشباح، فمنذ ساعات الصباح الأولى انتشرت أخبار بين أهل المدينة بأن القوات الأمريكية ستستخدم أسلحة محظورة، الكل هرب وترك كل ما يملك وراءه، أنا وزوجتي وأبنائي قررنا البقاء فلو كتب الله علينا الموت كنت أفضل أن أموت في بيتي.

الصورة التي لن تمحوها الأيام

كان ذلك في أواخر العام 2004، كنت برفقة أصدقاء نتجول بشارع الربيع ببغداد، فجأة لمحنا دبابات أمريكية تطلق وابلا من الرصاص تجاه سيارة كانت تسير بالطريق الرئيسي أمامنا، لم نعرف ماذا كان يحدث وما الذي جرى خلال الدقائق الخمس التي تلت ذلك، أسرعنا بعدها للسيارة لنكتشف جثث عائلة بأكملها: الوالدان والولدان الصغيران اللذان لم يتعد عمراهما ربما العشر سنوات. عند اكتشافهم لجثتي الطفلين، اقتربوا منا (الجنود الأمريكيون) وقالوا لنا بأنهم إرهابيون، ووضعوا أكياسا سوداء على وجوهنا واعتقلونا لعدة أسابيع لا لشيء إلا لأننا كنا شهودًا على جريمة ارتكبوها في وضح النهار.

كما أتذكر أيضا صورة الجنود الأمريكيين وهم يخرجون أكياسا سوداء من مصارف عراقية خلال الأيام الأولى للاجتياح.

أي مستقبل للعراق تتصوره

آمل في أن تجلب الانتخابات المقبلة الاستقرار للعراق، وتنتهي كل الصراعات الطائفية والسياسية التي تفرقنا.

في زمن صدام حسين كنا نتمتع باستقرار أمني ونكاد نشبع خبزا. أما اليوم فأحوالنا المعيشية تحسنت لكن لا استقرار ولا أمان، نخرج من البيت كل صباح ولا ندري إن كنا سنعود في المساء أم لا.

علي القيسي

متقاعد ورئيس "جمعية ضحايا سجون الاحتلال الأمريكي في العراق" 51 عاما

حال العراق اليوم

أمريكا تركت العراق بلدا مدمرا، لا يمكنه أن يسقط إلى أسفل مما هو عليه اليوم. لقد دمرت البنى التحتية، وأصبح من الصعب إعادة بنائها؛ فجميع الحكومات التي تعاقبت منذ الغزو همها الأول هو تشكيل الحكومة ولكن للأسف العراق ليس حكومة ولكن دولة.

يوم سقوط بغداد

كنت أسكن بمنطقة ريفية تدعى أبو غريب بالقرب من مطار بغداد الدولي وتبعد عن العاصمة 30 كلم، كنت يومها متقاعدا من سلك التعليم. خلال الساعات الأولى من بدء الغزو، قصف عنيف بالطائرات سبق دخول الدبابات وتوغلها في الأحياء السكنية الفقيرة.

استقبلنا، أنا وزوجتي وأولادي، في بيتنا بعض العائلات القريبة التي هربت من بغداد لأنه قيل لها بأنها قصفت بأسلحة محرمة دوليا. الجميع كان ينتظر الموت في أي لحظة.

الصورة التي لن تمحوها الأيام

بعد نحو أسبوع من اندلاع الحرب، جاءت شاحنات محملة بالأنقاض والجثث والأعضاء البشرية لترمي محتوياتها في مزابل وسط البيوت، ومن كثرة تراكم هذه الأشلاء ظهرت أمراض غريبة خاصة عند الأطفال الذين كانوا يعبثون في هذه المزابل دون أن يكونوا على دراية بمحتوياتها.

أتذكر كذلك أنني كنت أتجول يوما بمنطقة الباب الشرقي في قلب بغداد وشاهدت القوات الأمريكية تتجول بين الباعة الذين كانوا يعرضون أخطر وأحدث أنواع الأسلحة للبيع بدل البضائع العادية التي اشتهروا ببيعها مثل الملابس والأدوات الكهربائية .

شاهدتهم يتزاحمون على خيمة فرحين بالتقاط الصور أمامها وقد وضعت عليها لافتة مكتوب عليها بالعربية والإنكليزية "قاتل مأجور". وكان يرتادها من له عداء أو خصومة مع آخرين ليقدم أموالا للقاتل وعنوان من يريد قتله.

أتذكر كذلك أول يوم من اعتقالي بسجن أبو غريب بعد اتصالي بالصحافة الدولية وخاصة الفرنسية، لأنني فضحت ما كان يقوم به الأمريكان بجثث العراقيين بالقرب من بيتي، جاءني المحقق وسألني عن طريق المترجم: هل أنت سني أم شيعي؟ قلت إنني لم أسأل هذا السؤال من قبل ولم أسمع أحدًا يسأله في بلادي فكان جوابه: عليك أن تتعود على سماعه من الآن فصاعدا. من يومها عذبت بأبشع أنواع التعذيب الجسدي من كهرباء وماء ساخن وإذلال جنسي.

في إحدى جلسات التحقيق قال لي جنرال أمريكي متقاعد، يعمل مع إحدى الشركات الأمنية التي كسبت مليارات من دماء العراقيين: استغرب عدم تعاونكم معنا وشكركم لنا كوننا حررنا بلدكم ومكناكم من حرية القول. أجبته قائلا: أعطيتمونا حرية القول والآن نريد حرية البول ( قبل يوم من بدء التحقيق معي، حرمت من النوم والطعام والماء والذهاب إلى المرافق الصحية لقضاء حاجتي حيث ربطت على باب الزنزانة في وضعية لا تسمح لي بالتحرك مطلقا).

أي مستقبل للعراق؟

للأسف الوضع اليوم أكثر من مأساوي، لذا فلسنا متفائلين كثيرا بالغد ولعل الحل الوحيد هو قيام ربيع عربي ينتفض فيه العراقيون على حكامهم، لأنهم لا يمثلونهم بمختلف أطيافهم وطوائفهم، فهم في الحكم منذ سنوات فقط لنهب خيرات البلاد وتدمير ما بقي صامدا طيلة سنوات الحرب.